التعليق السياسي: رسالة لكل بحريني عشية انتخابات 2018
2018-11-24 - 2:52 ص
مرآة البحرين (خاص): قد لا يملك الإنسان القدرة على تغيير واقع فاسد يعيشه في بلده، لكنه يمتلك القدرة على الرفض. التغيير يبدأ برفض الاستسلام إلى ما أنت عليه. رفض الاستمرار في وضع يسير من سيء إلى أسوأ، رفض أن تكون مشاركاً في هذا الفساد بشكل من الأشكال، رفض أن تكون جزءاً من استمراره واستشرائه، رفض أن تكون لعبة في يد المفسدين وأداة طيّعة لهم. للرفض قوّة تفوق سلطة الفرض، لأنها تنبع من واقع الحاجة الماسّة، لا من موقع التكسّب.
في جنوب أفريقيا نجحت حركة "أناس بلا أرض" التي قادت حملة واسعة لمقاطعة انتخابات 2004 تحت شعار "لا أرض، لا منزل، لا صوت". ورغم قمع السلطة للقائمين على الحملة إلا أن الناس رفضوا أن يعطوا صوتهم لأي من الأحزاب المشاركة في النظام السياسي الذي يجدون أنه لا يمثل الفقراء تمثيلاً فعلياً.
غداً، أنت مطلوب منك أن تضع اسمك في ورقة داخل صندوق الاقتراع. مطلوب منك أن تشارك في لعبة ليس لك فيها شيء، بل كلّها عليك، وكلّها من أجل النظام. أنت تدلي بصوتك لتعطي هذا النظام الصلاحية ليسلب حريتك ويضيّق عيشك وينهب رزقك أكثر. أنت تدلي بصوتك لتجعل النظام يقول للعالم متفاخراً: انظروا.. ها أنا املك مؤسسات تشريعية ودستورية ورقابية تحظى بثقة شعبي واحترامه ولهذا فكل ما أقوم به ديمقراطي ودستوري.
ستة عشر عاماً منذ تأسس هذا البرلمان اللعبة، والحكومة تقول لك "بصوتك تقدر"، وأنت تذهب كل عام لتُدلي بصوتك، لكنك تجد أنّك بصوتك تجعلها تقدر عليك. ما الذي حصلت عليه أيها البحريني طيلة الـ 16 عاماً الماضية؟ هل أحدٌ لديه جواب غير: لا شيء؟ بل سوف يأتيك الجواب: بل اسأل ماذا خسر البحرينيون طيلة ال16 عاماً؟ وهنا القائمة تطول:
هل تريد أن نحدثك عن الوضع المعيشي كيف كان منذ 16 عاماً وكيف صار الآن وإلى أين يسير بمباركة البرلمان؟
هل تريد أن نحدثك عن وضع حرية الرأي والحريات السياسية كيف كانت منذ 16 عاماً وكيف صارت الآن وعبر تشريعات أقرّها البرلمان؟
هل تريد أن نحدثك عن الوضع الاجتماعي والعلاقة بين فئات المجتمع المختلفة ونشأة خطابات الكراهية والتكفير والتخوين التي أنضجها البرلمان قبل 2011 وبعده؟
هل تريد أن نحدثك عن ميزانية الدولة التي يذهب أكثر من نصفها إلى التسلّح وجلب آلاف المرتزقة ومنحهم الجنسيات وتفضيلهم بالخدمات؟ هل تريد أن نحدثك عن التجنيس الذي تم خلال الـ16 عاماً، واستبدال البحرينيين بشعوب أخرى من كل أصقاع الأرض؟ عن التضخّم الناتج عن مئات الآلاف ممن تم تجنيسهم وضخّهم في البلاد بشكل عشوائي ودون رقابة أو محاسبة؟ عن الاكتظاظ الذي يفوق حجم البلد والذي تعاني منه البحرين في أماكنها العامة وفي شوارعها وفي كل محفل وموقع؟
هل تريد أن نحدثك عما آل إليه اقتصاد البلد من تدهور وانهيار وعجز في ميزانية الدولة وسط صمت البرلمان؟ عن الفساد المالي والإداري؟ عن سرقة الأراضي وثروات البلاد؟ عن الارتفاع المهول في الدين العام؟ عن إفلاس الدولة المشين؟
هل تريد أن نحدثك عن إثرة الأجنبي بأفضل المناصب والوظائف، عن الاستثمارات، عن انخفاض دخل الفرد، عن انحسار العلاوات والحوافز والمكافآت؟ عن الغلاء، عن الارتفاع المحموم في الأسعار وفرض الضرائب؟ عن خصخصة قطاعات الدولة الخدماتية وتحويل البحريني إلى مواطن مشغول بقوت يومه فقط؟
هل تريد أن نحدثك عن حلّ الأحزاب السياسية والجمعيات المعارضة، عن سجن كل صوت معارض، عن قمع كل قلم مناوئ، عن منع كل إعلام مستقل، عن تهجير آلاف الكفاءات البحرينية؟ عن إسقاط جنسية آلاف البحرينيين؟ عن كم السجناء السياسيين في السجون؟ هل تريد أن نحدثك عن أكثر من هذا؟
هذا بعض ما حصده البحرينيون طيلة الـ16 عاماً من التجربة النيابية. هذا ما فعلته السلطة بأصوات الناخبين عندما قالت لهم "بصوتك تقدر".
ومع كل دورة جديدة نشهد تزايد عدد المترشحين الهزيلين والهزليين، يطلبون منك أن تمنحهم صوتك، لينعموا على حسابك بالوجاهة والمنصب والمال والنفوذ. الجميع طامع في صوتك ليقدر بك. الحكومة الفاسدة تريد صوتك لتمنحها الشرعية أمام العالم، والمترشحون الهزليون يريدون صوتك لتمنحهم وجاهة النائب. لا أحد يريد صوتك ليقدر به على المواجهة والتغيير والتصحيح.
وأنت أيها البحريني، غداً أمام الموقف وحدك، إما أن تشارك في الكوميديا السوداء التي يُستخدم فيها صوتك، أو أن تقف في وجه المهزلة بمنع صوتك. أن تعلنها: لا مشاركة حقيقية.. لا صوت.